Labor

أوبر، نظرة في مرآة الرؤية الخلفية: قصة صعود سمعة شركة النقل التشاركي وانحدارها

بعد الوفاة المؤسفة لامرأة من الراكبات، التحقيق يكشف عن سوابق لشركة أوبر في سوء السلوك وسمعتها السيئة من تجارِب المستخدمين في مصر.
في فبراير/شباط، توفيت حبيبة الشمّاع بعد أن قفزت من سيارة أوبر، بدعوى أن السائق حاول أن يختطفها. فأدى الحادث إلى اعتقال السائق، مما كشف عن سوابق له من الشكاوى بما في ذلك التحرش وتعاطي المخدرات. وأثار ذلك التساؤلات حول تدابير السلامة في شركة أوبر، بالتزامن مع ظهور المزيد من قصص سوء التصرف والسلوك.

حجزت حبيبة الشمّاع رحلةً مع شركة أوبر في فبراير/شباط الماضي لتوصيلها لمسافة 25 كيلومتراً من التجمُّع الخامس إلى مصر الجديدة. وصلت سيارة الأجرة يقودها السائق، وانطلقت بها إلى وجهتها.

وخلال الرحلة، رمت بنفسها من السيارة في أثناء سيرها. فأُدخِلَت إلى مستشفى المركز الطبيّ العالمي، حيث توفيت متأثرةً بجراحها بعد ثلاثة أسابيع. وقد كانت في الرابعة والعشرين من عمرها.

حاول أفراد العائلة والأصدقاء تجميع أجزاء ما حدث. ففي أثناء الرحلة، اتّصلت بها والدتها، وكانت تكافح لسماع صوت ابنتها بين الأصوات الصاخبة في سيارة الأجرة، أيْ السائق، الذي بدا كما لو كان في خضم مشاجرة منفصلة خلال مكالمةٍ هاتفية، ومكبّر الراديو يصيح عالياً. فطلبت حبيبة من السائق أن يخفضَ مستوى الصوت، وهو ما رفضه. ثم انتهت المكالمة مع والدتها. وعندما اتّصل أصدقاء حبيبة الشمّاع بها لمعرفة مكانها فأجابهم على الهاتف شخصٌ غريب.

فعندما رأى أحد المارة، حبيبة الشمّاع مستلقية على جانب الطريق، هرع لمساعدتها. وفي وقتٍ لاحق، أخبر المارة سلطات التحقيق أنهم سمعوا حبيبة تقول: "[سائق] أوبر أراد أن يختطفني"

انتشرت القضية على نطاقٍ واسع، وألقي القبض على السائق. واستُضيفت كلٌّ من أخت حبيبة الشمّاع وأخت سائق أوبر في البرامج الحوارية المسائية. وفي أثناء التحقيق، ظهرت تقارير حول تاريخ سيرة السائق مع تطبيق طلب النقل التشاركي. وقدّم الممثل القانوني لأوبر مستندات إلى المدَّعي العام تُظهر أن العملاء قد قدّموا سلسلة من الشكاوى ضد السائق فيما مضى. وشملت تلك الاتهامات التحرُّش الجنسي، والسرعة الزائدة، والقيادة تحت تأثير المخدرات، والصراخ على الركّاب، والإصرار على أن يأخذ أجوراً إضافية مقابل الرحلة، والتي كانت من بين حوادث أخرى متنوعة من سوء السلوك. وقد تم غلق حسابه سابقاً بسبب تلك الحوادث، لكنه تمكّن من فتح حساب جديد ومواصلة العمل دون رادع.

تصاعدت موجة من الغضب على الإنترنت رداً على قصة حبيبة الشمّاع. لقد كانت أوبر في يومٍ من الأيام الشركة المفضلة لفئة معيّنة من ركّاب النقل التشاركي، حيث قدّمت لهم ملاءة من الموثوقية التي تميّزها عن مغامرة طلب سيارات أجرة عادية، أو ضغوط وسائل النقل العام وصخبها. كيف أمكن حدوث شيءٍ كهذا؟

استرضت أوبر الجمهور بما لا يزيد عن بيان يُعرب عن “الحزن العميق” لوفاة حبيبة الشمّاع ويقدم التعازي لعائلتها وأحبائها "خلال هذه الفترة الصعبة".

كانت وفاة حبيبة الشمّاع مأساة. وفي ظلِّها ظهر المزيد من القصص. فيبدو أن الجميع كانت لديهم قصة عن حادثٍ ما مع أوبر: سوء الخدمة، والمشاجرات مع السائقين، والتحرُّش الجنسي، والسيارات المتداعية. وبات التناقض بين السمعة الجيدة للشركة والواقع المحفوف بالمخاطر للنساء اللواتي يستخدمن الخدمة واضحاً على مرأى من الجميع، بعد أن بقي خفياً لمدة طويلة. وكانت بداية أوبر في مصر، بدءاً من عام 2014، مبشرة بالنجاح.

ومنذ ذلك الوقت توضّح بعض مواد محتوى الشركة الموجهة للجمهور التزامها "بتوصيل الركّاب بجولات آمنة وموثوق بها على الطريق" مع تحقيق" المساءلة والشفافية في كل رحلة كي تشعروا بالأمان عند طلب توصيل من أوبر". في ذلك الوقت، كان هذا مدعوماً بتدابير عملية اتّخذتها الشركة لضمان سلامة ركّاب النقل التشاركي. وكانت لديها متطلبات صارمة لسائقيها، بما في ذلك فحص السجلات الجنائية، وفحص السيارات. كما كانت هناك أيضاً ورش عمل إلزاميّة للسائقين حول كيفية قيادة المركبات بأمان، وكيفية التسجيل في تطبيق أوبر وعمّا يحتاجونه للحصول على الموافقة على طلباتهم. كما نظَّمت أوبر أيضاً جلسات تأهيلٍ للسائقين الجدد في مكاتب الحرم الجامعي اليوناني بالجامعة الأمريكية في القاهرة، من بين الشركات متعددة الجنسيات وشركات التكنولوجيا الأخرى الموجودة في الموقع الراقي بوسط المدينة.

وتضمّن التركيز على السلامة اهتماماً واضحاً بشأن شيوع حدوث التحرُّش الجنسي. تقول ريم وائل، المديرة التنفيذية السابقة لمنظمة خريطة التحرُّش (HarassMap)، وهي مبادرة غير ربحيّة تستخدم الخرائط المجتمعية عبر الإنترنت، والبلاغات عن التحرُّش الجنسي لمعالجة القاعدة الاجتماعية وتوفير الوعي والدعم الاجتماعي للناجيات: "عندما بدأت شركة أوبر في مصر، كانت قيادتها مهتمة بقضايا النوع الاجتماعي وتحدثت إلى منظمة خريطة التحرُّش حول التعاون لجعل رحلاتها آمنة". 

تعاونت المنظمة غير الربحيّة والشركة في عددٍ من المبادرات، كما قال موظفون سابقون وموظفون من المنظمة غير الحكومية على دراية بالشراكة التي تمت بين عامَي 2015-2016. أجرت منظمة خريطة التحرُّش دوراتٍ تدريبية لموظفي أوبر الداخليين، وصمَّمت مواد تدريبية لجلسات الإعداد التي كانت أوبر تقدمها للسائقين. ويقول أحمد حجاب، الذي كان رئيساً لوحدة خريطة التحرش المسؤولة عن الشراكة مع أوبر في ذلك الوقت: "لقد قدَّمنا لأوبر تعاريف التحرُّش الجنسي وأنواعه وأشكاله". ويقول حجاب لقد أوضحت المواد التدريبية بعض الأشكال المختلفة التي يمكن أن يتخذها التحرُّش الجنسي، مثل التحديق غير المناسب أو اللمس البدني.

وبعد خضوع السائقين للتدريب، ستضع أوبر ملصقات على سياراتهم تشير إلى أن السائق قد تلقّى تدريباً ضد التحرُّش الجنسي وأن السائق "يتعهد باتخاذ إجراء إيجابي ضد التحرُّش الجنسي".

كان نهج الشركة في تلك السنوات الأولى يعني أن تصبح بسرعة السلامة واحدة من المميزات الفريدة المشجعة على بيع خدمات أوبر. ومع اكتساب الخدمة الشعبية في مصر فعلاً بالسرعة التي اكتسبتها في البلدان الأخرى، حيث أفاد مدير تطوير الأعمال والدعاية للصحافة أن قصة نجاح الشركة تعود إلى "السلامة".

ويبدو أن السلامة كانت تُترجم أيضاً إلى تجارب العملاء في طلب سيارات النقل التشاركي مع أوبر. ويذكر تقرير شاركت في إنتاجه أوبر ومؤسسة التمويل الدولية في عام 2018 أن النساء كنّ يخترن خدمات طلب سيارات النقل التشاركي في مصر من أجل ذلك "الأمان الإضافي" على وجه الخصوص. وقال التقرير إن شفافية التكلفة تشكل عامل جذب إضافي، لأنه على الرغم من أن خدمة أوبر لم تكن الخيار الأكثر ملاءمة للميزانية مقارنة بوسائل النقل العام، إلا أنها وفرت على الركّاب متاعب التفاوض على الأجرة في رحلات سيارات الأجرة المزودة بالعدّادات، أو التعامل مع حقيقة أن سائق سيارة الأجرة قد لا يستخدم العداد على الإطلاق. ووفقاً للتقرير، 51 في المئة من النساء ممن شملهن الاستطلاع في مصر اخترن أوبر باعتبارها بقوة خياراً أكثر أماناً، مقارنةً بـ 33 في المئة من النساء على مستوى العالم. وأفاد العديد من طالبي سيارات النقل التشاركي لمنصة مدى مصر أن أوبر أصبحت جزءاً ثابتاً من روتينهم اليومي، حيث ذكرت إحدى المستخدمات أنها استخدمت الخدمة للذهاب إلى فصولها الدراسية العادية عندما كانت في الجامعة، والآن بعد أن أصبحت تعمل، تستخدمها في تنقلاتها اليومية للعمل.

كان نهج الشركة في السنوات التي تلت إطلاقها جزءاً من حساب واضح للسوق، ووفقاً لمحمد مصطفى، المحاسب الذي انضم إلى أوبر كسائق منذ أكثر من ثماني سنوات. يقول: "كان الحساب بسيطاً. علمت أوبر أن الطبقة الوسطى المصرية تصبح أقل فأقل رضاً عن خدمات طلب سيارات الأجرة"، مضيفاً أن الشركة تهدف إلى سد الفجوة عن طريق توفير "طريقة سهلة ومريحة لحجز الرحلات المريحة".

ويشير مصطفى إلى أن الشعور بالأمان لم تكن الشركة تريد تقديمه للركّاب فقط، بل أن تقدِّم عرضاً مشابهاً للسائقين أيضاً. ويقول: "كانت استراتيجيتها هي التركيز على خدمات الليموزين في القاهرة، في وقت لم تكن فيه السياحة في أفضل حالاتها، وكان لدى السائقين الكثير من وقت الفراغ بينما كانت السيارات متعطلة من العمل". "حيث يمكن للسائقين الحصول على مكاسب إضافية. والتي ستجعل شركات خدمة الليموزين تعود سياراتها للعمل على الطريق".

بينما كانت أوبر تتعاون مع منظمة خريطة التحرُّش لتحسين تجرِبة المستخدم، كانت تتعاون جنباً إلى جنب مع المؤسسات المالية لتقديم قروض ميسرة للباحثين عن عمل ممن يستطيعون شراء السيارات والعمل في أوبر بدوام كامل، مما يوفر الشعور بالأمان للسائقين أيضاً. "لقد كان عملاً مربحاً للغاية. هكذا علق محمود فولفا، السائق الذي انضم إلى أوبر في ذلك الوقت، "حتى لو فتحت التطبيق ولم تتلق أي طلب، فكنا سنظل نحقِق دخلاً مضموناً".

ووفقاً لأوبر، فهي كانت توظف ما يزيد على 2000 سائقٍ شهرياً، وكان أكثر من 40 في المئة منهم عاطلين عن العمل مسبقاً، وفي أقل من عامين، أضحت أوبر تخدم عشرات الآلاف من المستخدمين بأكثر من 45000 سيارة تسير في الشوارع.

ثم، في عام 2016، شرعت الحكومة في القاهرة في تنفيذ برنامج بارز للإصلاح الهيكلي، حيث طبقت تخفيضاً كبيراً في قيمة العملة مما أثَّر على الشعب تأثيراً شديداً. فأصبح السائقون يحققون أرباحاً أقل فجأةً.

"كان السائقون يتقاضون 5000 جنيه مصري شهرياً في عام 2016، أي ما يعادل 550 دولاراً أمريكياً تقريباً في ذلك الوقت. وبعد مرور عام، أصبح السائقون يتقاضون 8000 جنيهاً مصرياً شهرياً، ولكن ذلك المبلغ كان أقل بما يساوي 100 دولار أمريكي. ويقول مصطفى متذكراً: "كان التضخُّم يلتهم أرباحنا". 

بدأ السائقون في بذل المزيد من الجهد لجعل العمل يستحق العناء. ويشرح مصطفى: "اعتاد أصحاب السيارات على قيادة سيارتهم الخاصة بعد العمل لكسب بعض المال الإضافي، أو استئجار سائق للقيام ببعض الرحلات عندما يكون صاحب السيارة في العمل". "وعندما ساءت الأمور، كان المالك يستأجر سائقين اثنين ليتناوبا على السيارة. وكان على الذين اشتروا سيارات بالقروض أن يدفعوا أكثر، في حين دخلهم قد انخفض، لذلك استأجروا شخصاً آخر للمساعدة".

ووسَّعت بعض شركات خدمات الليموزين أساطيلها بفضل مكافآت أوبر وأجورها المضمونة، ولكنها تواجه الآن ديوناً متزايدةً واضطرَّت إلى التصرُّف بسرعة وتوظيف سائقين جدد برواتب ثابتة أو حصص من الأرباح.

تشير ريم وائل إلى أن العدد الكبير من السائقين كان جزءاً من مبررات أوبر للحدّ من مدى استعدادها لوضع تدابير ضد التحرُّش الجنسي. وتقول إن النزاعات ظهرت بعد ذلك منذ أن "لم تستطع خريطة التحرُّش التحكم في سلوك السائقين". وتوضح ريم وائل أن مبادرة خريطة التحرُّش (HarassMap) كانت حريصة على تدريب السائقين الذين توظفهم أوبر، لكن شركة النقل التشاركي قالت إن الأمر كان صعباً لأن "عددهم كان كبيراً جداً"

فقد كان من المهم أن تحافظ أوبر على توسُّعها وزيادة عدد السائقين، وبالتالي على عدد الركّاب، لتحقيق الهيمنة الكاملة على السوق وضمانها. "دفعت المنافسة بين أوبر وبين منافسيها الآخرين، مثل شركة ليفت (Lyft) في الولايات المتحدة أو شركة كريم (Careem) في الشرق الأوسط، إلى إنفاقها المزيد من الأموال. ويقول خالد إسماعيل، مؤسس ورئيس مجلس إدارة صندوق كيانجل (Kiangel)، وهو صندوق استثماري لرعاة الأعمال يستثمر في الشركات الناشئة في مراحلها المُبكرة في مصر: "كانت هذه ذروة ما نسميه مرحلة الحرق". "ففي هذه المرحلة، لا تبحث الشركة عن الربح. "بل تبحث عن أي وسيلة للتوسُّع لإقناع المستثمرين بمواصلة ضخ الأموال. أوبر، التي تجذب اهتمام المستثمرين في جميع أنحاء العالم، يمكن أن تطيح بسهولة بمنافسيها المحليين مثل شركة إيزي تاكسي (Easy Taxi) أو شركة أسطى (Ousta). "فلم يكن لدى الشركات الصغيرة سوى ملايين الجنيهات لدعمها. ويقول إسماعيل: لقد أنفقت أوبر مليارات الدولارات لضمان الهيمنة". 

شهدت "مرحلة الحرق" التي مرت بها شركة أوبر تراكم خسائر تقارب 8 مليارات دولار من عملياتها في جميع أنحاء العالم بحلول عام 2018. ولجأ المستثمرون أنفسهم الذين دعموا المؤسس المشارك والرئيس التنفيذي لشركة أوبر ترافيس كالانيك إلى استبداله بالرئيس التنفيذي السابق لمجموعة إكسبيديا (Expedia)، دارا خسروشاهي، الذي كُلّف بإصلاح الشركة ودفعها إلى الربحية.

كما استحوذت أوبر على شركة كريم، منافستها الأساسية في المنطقة، بما في ذلك الأسواق الأساسية في مصر والأردن والمملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة. "بحلول ذلك الوقت، كانت أوبر قد تمكَّنت من الاستحواذ على الحصة الأكبر من سوق النقل الخاص في مصر وكان لديها حرية التصرف كما تشاء. ويقول إسماعيل: "لم يعد هناك ثلاثة أطباق على المائدة، بل طبق واحد فقط، وكان الجائع سوف يأكل ما يُقدَّم له". 

بعد أن أصبح دارا خسروشاهي خلف عجلة القيادة وفرض هيمنته على الشركة، وضعت أوبر مساراً لخفض النفقات، وأطلقت استراتيجية العلامة التجارية التي تحمل اسم "المضي قدماً". ولجأت شركة أوبر إلى تعديل هيكل الشركة في مصر بطريقة غيرت من درجة العلاقة بالسائقين، حيث أوضحت أنهم سيصبحون متعاقدين مستقلين وليسوا موظفين في الشركة. يقول مصطفى: "في هذا الوقت تقريباً في مصر، خفضت أوبر من الخصومات للمستخدمين والمكافآت للسائقين". جرى إلغاء التأمين الصحي للسائقين، وكذلك التأمين ضد الحوادث، وعلقت حسابات الكثير من السائقين - مما أدّى إلى شكاوى في ذلك الوقت من أن ذلك التسريح كان متعمداً. وعندما تفشّت جائحة كوفيد-19 في عام 2020، وفرضت البلدان في جميع أنحاء العالم حظراً على التجوُّل والذي أبقى العملاء في منازلهم، حُظِر مصدر الدخل الرئيسي لشركة أوبر فعلياً، فسرَّحت المئات - حيث جرى تسريح ما يقرب من 40% من الموظفين في مصر.

يقول مصطفى إنه مع عدم وجود منافسة وارتفاع عدد السائقين، لم تعد أوبر تميل إلى إجراء نفس المستوى من الفحص الأولي الذي اعتادت أن تقوم به سابقاً. والسائقون لايزالون يرغبون في الخيار الخاص بالدخل من شركة أوبر. "فبدأ السائقون الذين حُظِروا فيما سبق بالعودة مرةً أخرى بهويّات ورخص مزوّرة للقيادة. والسيارات التي كانت أقل من معايير أوبر تم إدخالها خلسة في التطبيق. ويقول مصطفى: "وأصبح من السهل تلفيق اختبارات المخدرات على نحوٍ متزايد". فقد أعلنت عشرات الصفحات على فيسبوك عن خدمات لدعم السائقين المحجوبين لفتح حسابات جديدة، أو جعل التطبيق يقبل سيارة ذات طراز قديم أو تقديم فحص مخدرات نظيف أو سجل جنائي أبيض. إذا حُظِر أحد السائقين لأي سبب من الأسباب، فيمكنه الحصول على حساب آخر مقابل مبلغ لا يتجاوز 1000 جنيه مصري دون الحاجة إلى أوراق إضافية.

عندما أحيل السائق الذي استأجرته حبيبة الشمّاع إلى المحاكمة في أبريل/نيسان، حكمت عليه المحكمة بالسجن 15 عاماً بتهمة محاولة الاختطاف وتزوير أوراق لفتح حساب جديد في شركة أوبر، وتعاطي المخدرات والقيادة تحت تأثير المخدرات.

نقلاً عن منصة مدى مصر، "يقول أكرم، وهو سائق خبير يدير أيضاً قناة على يوتيوب لمساعدة زملائه على استخدام التطبيق على أفضل وجه، "لقد تهافت المئات إن لم يكن الآلاف من السائقين على التطبيق. "فمع تعثر الاقتصاد، كان الكثير يائسين من أن يجدوا مصدراً جديداً للدخل. وعدّلت أوبر خوارزميّة التسعير لضمان أن الركّاب يعتمدون عليها".

ويوضح أكرم أنه على عكس شركات النقل التشاركي الأخرى التي تحدد رسوماً ثابتة على الرحلات، فإن أوبر تسلك طريقاً مختلفاً. فالشركة تغيّر نموذج التسعير الخاص بها لكلا الطرفين بشكل دوري، والذي يهدف، وفقاً لأكرم، إلى إرضاء السائقين والركّاب على حدٍّ سواء. ومع ذلك، حتى عندما تخفض أوبر عمولتها إلى أقل من عمولة منافسيها، التي تبلغ الآن 17.5%، تظل الرحلات نفسها أكثر تكلفة عبر أوبر.

"أوبر تخلق التبعيّة. فإذا كنت تستخدم أوبر بشكلٍ دائم، فإن خوارزميّة التطبيق تكتشف ذلك وتتساهل في تقدير تكلفة الرحلة، بغض النظر عن المسافة أو الوقت المتوقع للطريق. وإذا توقفت عن استخدام التطبيق لمدة من الوقت ثم عدت إليه مرة أخرى، فسيوفر لك وسيلة أرخص في النقل لضمان عودتك إليه". 

ولكن بالنسبة للكباتن، فقد يكون هذا الأمر "مزعجاً"، لأنهم لن يعرفوا أبداً العمولة التي حصلت عليها أوبر فعلاً. “فعندما تتلقى تنبيهاً لرحلةٍ ما، تظهر لك المسافة والأرباح التي تجنيها من هذه الرحلة. ولكن عندما نكمل الرحلة، ففي بعض الأحيان، يطلب التطبيق مني تحصيل 100 جنيه على رحلة بقيمة 50 جنيهاً، مما يعني أن أوبر تطلب من الراكب مبلغاً أكبر مما يجب، ولا يحصل [السائقون] إلا على جزء بسيط من هذا المبلغ".

ونموذج "التسعير الديناميكي" ليس سراً. ومع ذلك، لا يعرف الكثير عن كيفية عمله فعلياً. كما كان تأثيره على رضا السائقين موضع تساؤل في جميع أنحاء العالم.

"فعندما تخلق أوبر هذه التبعيّة للركّاب وتترك السائقين غير راضين عنها، فإنها تخلق فعلياً مشكلات بين الاثنين. وعندما يجري قبول المزيد والمزيد من السائقين بوثائق مزوّرة، فلن يكون لديك أي وسيلة لضمان سلامة الركّاب".

وبدأ الركّاب يجدون أن السلامة والموثوقة التي اعتادوا ربطها بأوبر تأخذ في تراجع، حيث وجدوا أنفسهم معرضين لحوادث تشعرهم بعدم الأمان في أثناء التنقل بالنقل التشاركي. 

فعندما كانت ليلى ذات السابعة عشرة من عمرها، ذاهبة ذات مساء في رحلة قصيرة جداً إلى الصيدلية. تصف ما رأته عندما اقتربت من المركبة. قائلة: "رأيت السائق يتصبَّب عرقاً ويتنفس بسرعة واكتشفت أن يديه لم تكن على عجلة القيادة، واتّضح أنه كان يمارس العادة السرية". فاختبأت في المتجر وألغيت الرحلة وكتبت شكوى لأوبر على التطبيق بتفاصيل الحادث. وتلقت رداً من موظف مركز الاتصال في إحدى دول الخليج، وبعد أن أبدى تعاطفه معها، طلب منها تقديم شكوى ضد السائق في مركز الشرطة. وبعد مدة وجيزة، تلقّت رسالة على التطبيق تعتذر فيها شركة أوبر عن جودة الرحلة وتؤكد لها أنهم سوف يتواصلون مع السائق. 

لم تتقدم ليلى بشكوى في مركز الشرطة، كما لم يجرِ اطلاعها على حالة شكواها لدى أوبر.

وتعبر فريدة عن إحباطها من نظام الشكاوى في الشركة: "في حالات أخرى، عندما أتقدم بشكوى على رحلة ما، فإنهم يردون عليَّ بـ "نأسف على الإزعاج وسنتأكد من اتخاذ الخطوات الصحيحة" ثم يعوضونني بمبلغ 50 جنيهاً على سبيل المثال. "وفي إحدى المرات سألت عن خطوات معالجة الشكوى فأجابوا بأن هذه إجراءات داخلية ولا يمكن مشاركتها".

تلقى علي رداً مماثلاً عندما نسي حقيبة ظهره في رحلة بأوبر قبل عامين. "بعد أسبوع، تلقيت إجابة ضمن التطبيق بأنهم حاولوا الاتصال بالسائق وأنه أنكر ذلك، وقالوا إنهم لا يستطيعون إعطائي معلومات الاتصال به. وعندما اعترضت، قالوا لي أن أقدم بلاغاً ضده في مركز الشرطة إذا لم أكن راضياً".

وعندما سُئل ركّاب النقل التشاركي عن سبب عدم بحثهم عن بدائل، وصفوا شعورهم بالألفة والراحة مما يعني أن العديد منهم يواصلون استخدام الخدمة برغم شعورهم بعدم الرضا وحتى بالخطر في سيارات الأجرة التابعة لأوبر. 

"من الواضح أنني أريد تغيير الخدمة، ولكنني أشعر بالغرابة بعد ثماني سنوات من استخدام أوبر، فجميع بطاقاتي الائتمانية في أوبر"، هكذا تقول ملك، البالغة من العمر 26 عاماً التي تستخدم أوبر منذ العديد من السنوات، مضيفة أن الأمر يستحق التساؤل عن سبب استمرارها في استخدام خدمة النقل التشاركي هذه على الرغم وجود البدائل. 

 وتقول ليلى، "لم أكن أعلم أن هناك بدائل"، موضحةً سبب عدم استخدامها لأي من التطبيقات المنافسة الأحدث مثل إندريف (InDrive) أو ديدي (Didi). "شعرت بأن أوبر أكثر راحة".

تواصلت منصة مدى مصر مع شركة أوبر عدة مرات للسؤال عما إذا كان خفض الأجور قد ساهم في انخفاض مستوى السلامة لعملائها، وما إذا كانت تتحمل أي مسؤولية عن وفاة حبيبة الشمّاع، لكنها لم تتلق أي رد. ومع ذلك، فقد وفرت أوبر للعملاء منذ ذلك الحين ميزة التسجيل الصوتي في أثناء القيادة، والتي كانت سابقاً متوفرة فقط في الإسكندرية، كإجراء "أمان".

كما سألت مدى مصر شركة أوبر أيضاً عما إذا كانت ستتخذ خطوات لضمان عدم تكرار حوادث مماثلة، وبالمثل فإنها لم تتلق أي رد. 

في هذه الأثناء، بدأت الدعوات لمحاسبة تطبيق النقل التشاركي تتبلور؛ حيث أقام المحامي عمرو عبد السلام دعوى قضائية لإلغاء تراخيص عمل شركتي أوبر وكريم في مصر، وطالب نواب البرلمان بوقف عمل أوبر في مصر، وإن لم يكن الأمر كذلك، فعلى السلطات إلزام الشركة بفتح مقرات إدارية لها في البلاد. ومثل ممثلون عن الشركة أمام لجنة الاتصالات في مجلس النواب يوم الإثنين، إلى جانب مسؤولين من وزارتي النقل والاتصالات، المسؤولتين عن ترخيص خدمات النقل التشاركي، لمناقشة الآليّات المحتملة لجعل هذه الشركات أكثر أماناً، بما في ذلك اختبار المخدرات وإضافة أزرار الاستغاثة.

انتشرت الدعوات لمقاطعة الخدمة على منصات التواصل الاجتماعي، حيث أشار الناس إلى تكرار حالات الاعتداء على النساء، وضحالة جودة السلامة في أوبر، وغياب الآليّة لمحاسبة الشركة.

وفي هذه الأثناء، تصدَّر عناوين الصحف خبر تعرض امرأة أخرى للاعتداء في رحلة من رحلات أوبر. ووفقاً للشهادة التي نشرتها سالي عوض، شقيقة الضحية، على وسائل التواصل الاجتماعي، فإن سائق أوبر الذي كان من المُفترض أن يوصلها من التجمُّع الخامس إلى الشيخ زايد في 11 مايو/أيار، قد طلب منها أولاً إلغاء الرحلة والدفع له نقداً مباشرةً، ثم أخذها بعيداً عن مسار الرحلة إلى مكانٍ بعيد حيث حاول الاعتداء عليها جنسياً وهو يحمل سكيناً. وقد جرى اعتقال السائق وهو قيد التحقيق.

ومرةً أخرى، أعربت شركة أوبر عن "حزنها العميق"، وقالت إنها أوقفت حساب السائق، وتواصلت مع أحد أفراد عائلة الضحية فور إبلاغها لتقديم الدعم.

Available in
EnglishGermanItalian (Standard)ArabicSpanishPortuguese (Brazil)French
Authors
Farah Fangary and Mohamed Ezz
Translators
Hamzeh Thaljeh, Yasser Naguib and ProZ Pro Bono
Date
05.08.2024
Source
Original article🔗
Privacy PolicyManage CookiesContribution Settings
Site and identity: Common Knowledge & Robbie Blundell